سورة الشعراء - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175)}.
لما نهاهم نبي الله عن إتيانهم الفواحش، وغشيانهم الذكور، وأرشدهم إلى إتيان نسائهم اللاتي خلقهن الله لهم- ما كان جواب قومه له إلا قالوا: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ} يعنونَ: عما جئتنا به، {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} أي: ننفيك من بين أظهرنا، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82]، فلما رأى أنَّهم لا يرتدعون عما هم فيه وأنهم مستمرون على ضلالتهم، تبرأ منهم فقال: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} أي: الُمبغضين، لا أحبه ولا أرضى به؛ فأنا بريء منكم. ثم دعا الله عليهم قال: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ}.
قال الله تعالى {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} أي: كلهم.
{إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ}، وهي امرأته، وكانت عجوز سوء بقيت فهلكت مع مَنْ بقي من قومها، وذلك كما أخبر الله تعالى عنهم في سورة الأعراف وهود، وكذا في الحِجْر حين أمره الله أن يسري بأهله إلا امرأته، وأنهم لا يلتفتون إذا سمعوا الصيحة حين تنزل على قومه، فصبروا لأمر الله واستمروا، وأنزل الله على أولئك العذاب الذي عمّ جميعهم، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود؛ ولهذا قال: {ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ. وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.


{كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)}
هؤلاء- أعني أصحاب الأيكة- هم أهل مدين على الصحيح. وكان نبي الله شعيب من أنفسهم، وإنما لم يقل هنا أخوهم شعيب؛ لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة، وهي شجرة. وقيل: شجر ملتف كالغَيضة، كانوا يعبدونها؛ فلهذا لما قال: كذب أصحاب الأيكة المرسلين، لم يقل: إذ قال لهم أخوهم شعيب، وإنما قال: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ}، فقطع نسبة الأخوة بينهم؛ للمعنى الذي نسبوا إليه، وإن كان أخاهم نسبا. ومن الناس مَنْ لم يتفطن لهذه النكتة، فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين، فزعم أن شعيبًا عليه السلام، بعثه الله إلى أمتين، ومنهم مَنْ قال: ثلاث أمم.
وقد روى إسحاق بن بشر الكاهلي- وهو ضعيف- حدثني ابن السدي، عن أبيه- وزكريا بن عمر، عن خَصِيف، عن عِكْرِمة قالا ما بعث الله نبيًا مرتين إلا شعيبًا، مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة، ومرة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظُّلَّةِ.
وروى أبو القاسم البغوي، عن هُدْبَة، عن هَمَّام، عن قتادة في قوله تعالى: {وَأَصْحَابَ الرَّسِّ}. [ق: 12] قوم شعيب، وقوله: {وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ}. [ق: 14] قوم شعيب.
قال إسحاق بن بشر: وقال غير جُوَيْبر: أصحاب الأيكة ومدين هما واحد. والله أعلم.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة شعيب، من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أبيه، عن معاوية بن هشام، عن هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان، بعث الله إليهما شعيبًا النبي، عليه السلام».
وهذا غريب، وفي رفعه نظر، والأشبه أن يكون موقوفا. والصحيح أنهم أمة واحدة، وصفوا في كل مقام بشيء؛ ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان، كما في قصة مدين سواء بسواء، فدل ذلك على أنهم أمة واحدة.


{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ (184)}.
يأمرهم تعالى بإيفاء المكيال والميزان، وينهاهم عن التطفيف فيهما، فقال: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} أي: إذا دفعتم إلى الناس فكملوا الكيل لهم، ولا تخسروا الكيل فتعطوه ناقصا، وتأخذوه- إذا كان لكم- تامًا وافيًا، ولكن خذوا كما تعطون، وأعطوا كما تأخذون.
{وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ}: والقسطاس هو: الميزان، وقيل: القَبَّانُ. قال بعضهم: هو معرب من الرومية.
قال: مجاهد: القسطاس المستقيم: العدل- بالرومية.
وقال قتادة: القسطاس: العدل.
وقوله: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}: أي: تَنْقُصوهم أموالهم، {وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ}: يعني: قطع الطريق، كما في الآية الأخرى: {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ} [الأعراف: 86].
وقوله: {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ}: يخوفهم بأس الله الذي خلقهم وخلق آباءهم الأوائل، كما قال موسى، عليه السلام: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ} [الصافات: 126]. قال ابن عباس، ومجاهد، والسُّدَّي، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: {وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ} يقول: خلق الأولين. وقرأ ابن زيد: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا} [يس: 62].

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11